Mar 4, 2007

ليلة سقوط الفار

لا ادري لماذا تذكرت هذا الموقف الآن رغم مرور أكثر من أربعة أو خمسة شهور علي حدوثه و لكني اعتقد أن هذا الموقف قد غير – مثله مثل مواقف كثيرة في حياتي – جزءا كبيرا من شخصيتي .

قد يرى البعض أو الكثير – لا أبالي – بأنه موقف تافه و لكنه بالنسبة لي غير الكثير بداخلي و إعطاني دفعة ثقة مستقبلية أو على الأقل جعلني أثق أكثر بي و بقوة الحب الذي وضعه الله سبحانه و تعالى داخلنا و الذي هو اكبر نعمة بعد نعمة الإسلام .

اقطن أنا و زوجتي و ابني الذي لم يتعد الآن الثمانية شهور – في مدينة جديدة خارج القاهرة ( هذا قبل انتقالي للعمل في المملكة العربية السعودية ) و كانت الحياة – و ما زالت ( و نحمد الله على هذا ) جميلة و بسيطة و إلى حد كبير سعيدة بيننا – و ازعم أن هذا مرجعه الرضا أو على الأقل محاولة الشعور بالرضا في تفاصيل الحياة رغم صعوبتها – إلى أن ظهر هذا الشئ في حياتنا .

نسيت أن أطلعكم أنني كائن غير متآلف مع ما هو من غير طبيعة البشر ..... ليس هذا معناه أنني لا أحب الحيوانات – بالعكس أحبهم و أرى جمال و قدرة الله فيهم – و لكن فقط عندما لا يتحركون في الصور ثنائية الأبعاد أو على الأقل متحركين على شاشة التلفاز . فقط لا استطيع الشعور بالراحة و بجانبي قط يعبث أو كلب ينبح أو حتى صرصار يتمختر

في احد الليالي و نحن نائمون ( بعد مجهود جبار مع عمرو ابني لينام ) و بعد الحج اليومي في الريسبشن بشقتنا لمدة تزيد عن الساعة و النصف و مجهود يوم شاق في العمل – أيقظتني زوجتي لتلقى على أذناي النائمتان و عقلي الخائر و قلبي المفزوع بأنها تسمع صوتا بالغرفة . استبعدت للوهلة الأولى مبدأ حدوث سرقة لأنني لا انام ( فيلم فاتن حمامة و يحيى شاهين )

إلا إذا تأكدت من إغلاق باب الشقة و الباب الحديدي الخارجي ( الثقيل جدا ) . فتساءلت و أنا أفكر لماذا لا تطنشي هذا الصوت و تنامين يا زوجتي العزيزة ؟؟؟ فألقت علي بجملة تعادل 10 طن منبهات . " متهيألي ده فار " آه يا لها من ليلة ليلاء . تنبهت جميع حواسي ( جملة تاريخية من جمل د. نبيل فاروق في رواياته الخالدة رجل المستحيل متحدثا عن ادهم صبري المٌخدر و لكنه حواسه منتبهه ) و أخذت اصتنت ( مش أتصنت عشان عمنا انيس منصور و مجمع اللغة العربية ما يزعلوش ) لم اسمع شيئا . و لكنني و هذا فقط سر أعلنه لكل من سيقرأ ( و هم ليسوا بالكثير ما دام ليست بهم زوجتي ) لم أرد أن اسمع شيئا . و اتخذت الحل المشهور السريع الذي لا يضر أحدا و الذي يتلخص في

الجري نص المجدعة

رحلت أنا و زوجتي و ابني عن غرفة النوم الرئيسية محتضنا ابني متحسرا على الاستيقاظ في الثالثة فجرا في شهر نوفمبر و شتاؤه العويص .

ذهبت للعمل في اليوم التالي و قبل الذهاب ألقيت ملايين التحذيرات على زوجتي بأن لا تفتح باب غرفة النوم ابدأ ( حيث فكرت بأن نعلنها أرضا محتلة مغتصبة من عدو غاشم نسترجعها بالتعاون فيما بيننا ( و أرجو أن يكون بالمفاوضات حقنا للدماء ) و طبعا عارفين دماء مين . و لكني بعد ذهابي للعمل اتصلت بزوجتي بمعدل 10 مكالمات / الدقيقة لأطمئن عليها و على عمرو ( حيث لدي سابقة مفزعة مع حادثة حصلت لبنت رضيعة جارة لي أكل الفأر جزءأ كبيرا من وجهها و خضعت لعشرات عمليات التجميل قبل عشر سنوات ) . انتهى يوم العمل و رجعت البيت بعد ما سألت نصف زملائي عن كيفية التعامل مع الفئران و كانت معلومات مفيدة للغاية ( اللزق ، السم الحاف ، السم على طماطم ، المصيدة ... الخ ) و لكني كنت و ما زلت ارغب في حقن الدماء ( لأنني لست دمويا بطبعي .... لا أحب أن أرى دماء احد و خصوصا إذا كانت دمائي )

.

اتعشينا و حلينا و اتفرجنا على فيلم MBC2 و نمنا و فجأة ( موسيقة تصويرية بتاعة المجرم لما يفتح الباب او الست اللي بتخش بيت ظلمة ) و للاسف ايقظتني زوجتي من النوم في الثانية فجراً واضعة يدها على فمي و اليد الأخرى على أذنها ( ترجمة الإشارة : بيسمعنا صوته – مع الاعتذار للبرنامج ) . تداعت الأحداث خلال الساعات الماضية منذ ظهور السيد المبجل الفأر في بيتنا و تخيلت هل نهرب لشقة أخرى أم نبات في الحمام متسلحين بخرطوم المياه داخلة . و وجدت عيني زوجتي تلمع في الظلام بهذه الجملة ( يا للفاجعة في زواجي من هذا البتاع - مع الاعتذار للرئيس- متقال طبعا – خايف من حتة فار ) اما بالنسبة لي فكان شعوري كالاتي : عدم تآلف فطري مع الحيوانات – ارف شديد من الفئران – ارف زيادة جدا من هذا الفار بالذات لدخوله شقتي – اشمئزاز من ملمسه اللي عمري و لله الحمد ما جربته – تخيلات رحلات الفأر في البلاعات و المصارف و لمسه لي لا قدر الله ( ساعتها ممكن اولع فيه و اقطع الحتة اللي لمسها ) و شعور بالغيظ من زوجتي لأنها مش خايفة ( المفروض تضامنا معي على الأقل تمثل الخوف و يا سبعي و يا راجلي و اللي كده يعني ) و أخيرا ( تاتاتاتا ) خوف هائل و رهيب و مٌجسم على عمرو أن ممكن يحصله حاجة و عليه تم اتخذا القرارات التالية :

-إعلان المقاومة المسلحة في حينه ضد العدوان الغاشم

-نقل عمرو من غرفتنا إلى الغرفة الأخرى و غلق الباب عليه

-العمل بالخطة 45/ث/1/م ل ك س ع/74589 بيبيبيبيبيب و تتلخص في ( -نقتل أم الفار ده – مامة الفار عشان محدش يزعل – بأي طريقة ممكنة و في أسرع وقت ممكن )

-أن يتم ذلك بدون صوت عشان الإزعاج و عشان عمرو ما يصحاش و نقول يا ريتنا سيبنا الفار

-التسلح بجميع أسلحة الدمار الشامل اللي لم يجدها الأمريكان في العراق ( مقشات و خلافه )

دعوني اصف لكم الموقف او ارسمه في خيالكم ( غمضوا عينيكم الأول لو سمحتم ) عشان الخيال و اللي كده – غمضوا ايه امال هتقروا ازاي . كان الموقف كالتالي

أنا و زوجتي في غرفة النوم الرئيسة و الضوء الفلورسنتي المبهر يغرق الغرفة في ضياؤه و أنا ارتدي بنطلون البيجامة و طاقية صوف على أذناي ( لما وداني بتسقع مبعرفش أفكر ) و الفانلة الداخلية ( بما إني كنت تحت البطانية ) و كوتشي . نعم كوتشي لان خوفي الأكبر كان أن يلمس أو بالأحرى ( يعني ايه الكلمة دي ) أن يقضم الفار أصبع قدمي , بالطبع لم اسلم من تعليقات زوجتي و السخرية من هذا الزي الفلكولوري و حمدت الله أن الموبيل خارج الغرفة ( عشان صور الفضايح ) . جلسنا أنا و زوجتي على السرير نتنفس بكل هدوء حتى نستطيع تمييز مكان وجود الفأر متسلحا بالمقشة و هي بقطعة حديد – تخيلوا مكثنا قرابة الساعة و النصف كتمثالي ممنون لا نتحرك و لا ننطق بل و نكاد لا نتنفس لنصتنت للفأر و مع مرور كل دقيقة كانت عزيمتي تخور و حاجتي للنوم تفور و عندما اتخذنا القرار بالمواصلة غدا و أن الجولة الأولى انتهت بأنه عدو جبان لا يحاربنا وجها لوجه و أننا سوف نقتله في جولة أخرى و أن حقن الدماء هو أسلوب المتحضرين و ووووووو و فجأة لمحناه – هذا الغبي – يجري عابرا الغرفة أمامنا لم اصدق نفسي جريت وراءه و لأني كائن حساس و قرفان في ذات الوقت كنت أدفعة بالمقشة تجاه الحائط لا أريد قتله مباشرة لكني وجدته – ابن الايه لا يموت بهذه الطريقة و أنا أصلا أعصابي كلها سايبة و زوجتي تصرخ اقتله اقتله و أنا اصرخ في الاتجاه المعاكس ( صباح قناة الجزيرة ) ازاي ازاي مش عاوز يموت ) قالت اخبطه على دماغة و عندها ( موسيقى رفع السكينة في الأفلام ) عبرت حياتي كشريط سينيمائي أمامي و تذكرت كل الأمجاد السابقة و اللاحقة ( سابق لاحق ) من مسرور السياف الى الحجاج الى ابو احمد عميد سيافي المملكة ( على موقع العربية من كام يوم ) و عليه طوحت بالمقشة في الهواء و رفعتها إلى أقصى ارتفاع يسمح به ذراعي ( الحمد لله ما جاتش في اللمبة الفلورسنت المبهرة التي ...... الخ ) و مرة يمين و مرة شمال و برأس المقشة على المنطقة التي أظن انه موجود بها . تستغربون – أصل أنا غمضت عيني عشان الدم المتفجر انهار ما يجيش فيها . و سمعت صوت الضربة و صرخت زوجتي ايه ده . ايه ده ؟ تساءلت هل مات أم هرب أم اكتشفت فجأة انه فأر بلاستيك ؟ و عندما سمحت لعضلات العين المنقبضة بان تأخذ راحتها وجدته . جثة هامدة مفتوحة العين فاقدة الروح ( على ما اعتقد ) و نظرت لزوجتي نظرة معناها معندكوش اسود و لا نمور جعانة عاوزين تموتوها النهاردة ؟؟؟؟؟ طبعا أقنعت زوجتي أن تحمل الجثة على ورق كرتون بدون لمسها و رميناها في القمامة بخارج الشقة ( طبعا أقنعتها ان هذا العمل للنساء و ليس للاشاوس قتلة الفئران ) و نقلنا ابننا إلى غرفتنا و انتهت المعركة بالتصدي للعدوان الغاشم .

خلاصة القول – ان دافعي الوحيد للتخلص من هذا الكائن المزعج و الإسراع في ذلك هو الخوف الشديد بل الرعب على ابني عمرو – حفظه الله – لم أكن لاتخيل لوهلة أنني ساحب شخصا أو كائنا لهذه الدرجة في حياتي . يا الله كم أنت جميل أيها الحب – قد يرى البعض كما سبق و أشرت أن هذا موقف تافه ليس بدلالة كبيرة على الحب لابني و لكني من الفريق الذي يعتقد انه كلما أمعنت النظر في تفاصيل الحب و جعلته بنزينا لسيارة حياتك و نظارة ترى بها الدنيا و ماءا يرويك في عطشك و كلما جعلت الحب مجسدا و قريبا – و دافعا اكيدا – كلما شعرت بالرضا عن حياتك – فأجمل ما في الحب تفاصيله الصغيرة لأنها تجتمع مع بعضها البعض مكونة هذا الينبوع الصافي من المشاعر التي لولاها لمات ابن ادم من الملل و الحزن .

أتمنى للكل أن يصادف الحب في حياته و أن يرى تفاصيله مع من يحب زوجة أو صديقا أو ابنا أو بنتا و لكنني أرى

أن لمعة عين ابني لي و هو يضحك هي العالم كله مجسدا في بؤبؤ هذا الكائن الجميل .

7 comments:

شيمـــــاء said...

هههههههههههههههه
موتنى واللهى من الضحك
رغم انى شفتك وانت بتحكيها لايف
بس بالكتابة روعة

ربنا يخلينا عمورة وامه وابوه

عمرو إبراهيم said...

هاها
طريقة كتابة الموضوع في غاية الجمال
هاها
بجد شدتني الحكاية جدا
والموسيقى التصويرية

ربنا ما يحرمكش من الحب ومن جمال قلبك يا محمود

صحيحة تماما جملتك...
كم أنت جميل أيها الحب

وكم أنت جميل أيها الأب والزوج والابن والصديق والأخ المحب

ربنا يكرمك يا رب
ويخليكم لبعض
ويخليك لينا

Abo Amr said...

شيماء

تصدقي انا ضحكت شوية لما قريتها
الكتابة دي شئ فعلا ممتع

عمرو ابراهيم

و لا يحرمك من احساسك و لا كرم اخلاقك و لا جمال قلبك يا رب

و الاسلوب محتاج شوية تعديلات لكن اعتقد ان ده عامل زمني بحت

Anonymous said...

هههههههههه احترامى وتحياتى لقاتل الفئران أبو مقشه
اه قصدى ابو عمرو
;)

reri said...

ههههههههههههههههههههه
بجد إسلوبك كوميدي ساخر فظيع .... عل فكره أنا كنت بحقن الفئران في الكليه ""كلية الصيدله"" ... بس والله بترعب منهم موت .... ربنا يخليلك عمرو و يفرحك بيه ....

Rosa said...

تعرف يا محمود؟ شيماء فعلاً معاها حق. رغم اني سمعتك و انت بتحكي الحكاية الا ان الكتابة أشد بكتييييييير

ربنا يخلي لك عمرو و أم عمرو و تفضل حارسهم الأمين طول العمر اللهم آمين

KOKKO said...

حمدا لله على سلامتكوا
يابطل
بصراحه ..رجعتلى احساسى وانا بحقن الفار فى الكليه كان احساس بالقرف والخوف على شويه اكشن لما يهرب منى
بجد اسلوبك لذيذ مووت
ربنا يخليلك عمرو..ومامه عمرو
وتدافع عنهم ضد العدوان كمان,,وكمان
تحياتي